الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)
.ذكر عدة حوادث: وفيها زلزت خوزستان واجان وإيذج، وغيرها من البلاد، زلازل كثيرة، وكان معظمها بأرجان، فخرب كثير من بلادها وديارها، وانفرج جبل كبير قريب من أرجان وانصدع، فظهر في وسطه درجة مبنية بالآجر والجص قد خفيت في الجبل، فتعجب الناس من ذلك. وكان بخراسان أيضاً زلزلة عظيمة خربت كثيراً، وهلك بسببها كثير، وكان أشدها بمدينة بيهق فأتى الخراب عليها، وخرب سورها ومساجدها، ولم يزل سورها خراباً إلى سنة أربع وستين وأربعمائة، فأمر نظام الملك ببنائه، فبني، ثم خربه أرسلان أرغو، بعد موت السلطان ملكشاه، وقد ذكرناه، ثم عمره مجد الملك البلاساني. وفيها عمل محضر ببغداد يتضمن القدح في نسب العلويين أصحاب مصر، وأنهم كاذبون في إدعائهم النسب إلى علي، عليه السلام، وعزوهم فيه إلى الديصانية من المجوس، والقداحية من اليهود، وكتب فيه العلويين، والعباسيون، والفقهاء، والقضاة، والشهود، وعمل به عدة نسخ، وسير في البلاد، وشيع بين الحاضر والبادي. وفيها شهد الشيخ أبو نصر عبد السيد بن محمد بم عبد الواحد بن الصباغ، مصنف الشامل، عند قاضي القضاة أبي عبد الله الحسين علي بن ماكولا. وفيها حدثت فتنة بين السنة والشيعة ببغداد، وامتنع الضبط، وانتشر العيارون وتسلطوا، وجبوا الأسواق، وأخذوا ما كان يأخذه أرباب الأعمال، وكان مقدمهم الطقطقي والزيبق، وأعاد الشيعة الأذان بحي على خير العمل، وكتبوا على مساجدهم: محمد وعلي خير البشر، وجرى القتال بينهم، وعظم الشر. وفيها زوج نور الدولة دبيس بن مزيد ابنه بهاء الدولة منصوراً بابنة أبي البركات بن البساسيري. وفيها، في ربيع الأول، توفي القاضي أبو جعفر السمناني بالموصل، وكان إماماً في الفقه على مذهب أبي حنيفة، والأصول على مذهب الأشعري، وروى الحديث عن الدارقطني وغيره. وفي هذا الشهر توفي أيضاً أبو علي الحسن بن علي بن المذهب، الواعظ، وهو راوي مسند أحمد بن حنبل. ثم دخلت: .سنة خمس وأربعين وأربعمائة: .ذكر الفتنة بين السنة والشيعة ببغداد: فلما كان الآن عظم الشر، واطرحت المراقبة للسلطان، واختلط بالفريقين طوائف من الأتراك، فلما اشتد الأمر اجتمع القواد واتفقوا على الركوب إلى المحال وإقامة السياسة بأهل الشر والفساد، وأخذوا من الكرخ إنساناً علوياً وقتلوه، فثار نساؤه، ونشرن شعورهن واستغثن، فتبعهن العامة من أهل الكرخ، وجرى بينهم وبين القواد ومن معهم من العامة، قتال شديد، وطرح الأتراك النار في أسواق الكرخ، فاحترق كثير منها، وألحقتها بالأرض، وانتقل كثير من الكرخ إلى غيرها من المحال. وندم القواد على ما فعلوه، وأنكر الإمام القائم بأمر الله ذلك، وصلح الحال، وعاد الناس إلى الكرخ، بعد أن استقرت القاعدة بالديوان بكف الأتراك أيديهم عنهم. .ذكر استيلاء الملك الرحيم على أرجان: وكان قد تغلب على جاورها من البلاد إنسان متغلب يسمى خشنام، فأنفذ إليه فولاذ جيشاً فأوقعوا به وأجلوه عن تلك النواحي واستضافوا إلى طاعة الرحيم. وخاف هزارسب بن بنكير من ذلك لأنه كان مبايناً للملك الرحيم على ما ذكرناه، فأرسل يتضرع ويتقرب، ويسأل التقدم إلى فولاذ بإحسان مجاورته، فأجيب إلى ذلك. .ذكر مرض السلطان طغرلبك: .ذكر عود سعدي بن أبي الشوك إلى طاعة الرحيم: فلما وصل بدر والرسول إلى همذان تخلف بدر، وسار الرسول إليه، فامتعض من قوله، وخالف طغرلبك، وسار إلى حلوان، وأراد أخذها، فلم يمكنه، وتردد بين روشنقباذ والبردان، وكاتب الملك الرحيم، وصار في طاعته، فسار إليه إبراهيم بن إسحاق، وسخت كمان، وهما من أعيان عسكر طغرلبك، في عسكر مع بدر بن المهلهل فأوقعوا به فانهزم هو وأصحابه وعاد الغز عنهم إلى حلوان، وسار بدر إلى شهرزور في طائفة من الغز، ومضى سعدي إلى قلعة روشنقباذ. .ذكر عود الأمير أبو منصور إلى شيراز: وكان سبب ذلك أن الأمير أبا سعد كان قد تقدم معه في دولته إنسان يعرف بعميد الدين أبي نصر بن الظهير، فتحكم معه، واطرح الأجناد واستخف بهم، وأوحش أبا نصر بن خسرو، صاحب قلعة إصطخر، الذي كان قد استدعى الأمير أبا سعد وملكه. فلما فعل ذلك اجتمعوا على مخالفته وتألبوا عليه، وأحضر أبو نصر بن خسرو الأمير أبا منصور بن أبي كاليجار إليه! وسعى في اجتماع الكلمة عليه، فأجابه كثير من الأجناد لكراهتهم لعميد الدين، فقبضوا عليه، ونادوا بشعار الأمير أبي منصور، وأظهروا طاعته، وأخرجوا الأمير أبا سعد عنهم فعاد إلى الأهواز في نفر يسير، ودخل الأمير أبو منصور إلى شيراز مالكاً لها، مستولياً عليها، وخطب فيها لطغرلبك، وللملك الرحيم، ولنفسه بعدهما. .ذكر إيقاع البساسيري بالأكراد والأعراب: .ذكر عدة حوادث: وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد البرمكي، وكان مكثراً من الحديث، سمع ابن مالك القطيعي وغيره، وإنما قيل له البرمكي لأنه سكن محله ببغداد تعرف بالبرامكة، وقيل كان من قرية عند البصرة تعرف بالبرمكية. ثم دخلت: .سنة ست وأربعين وأربعمائة: .ذكر فتنة الأتراك ببغداد: وكان سببها أنهم تخلف لهم على الوزير الذي للملك الرحيم مبلغ كثير من رسومهم، فطالبوه، وألحوا عليه، فاختفى في دار الخلافة، فحضر الأتراك بالديوان وطالبوه، وشكوا ما يلقونه منه من المطال بمالهم، فلم يجابوا إلى إظهاره، فعدلوا عن الشكوى منه إلى الشكوى من الديوان، وقالوا: إن أرباب المعاملات قد سكنوا بالحريم، وأخذوا الأموال، وإذا طلبناهم بها يمتنعون بالمقام بالحريم، وانتصب الوزير والخليفة لمنعنا عنهم، وقد هلكنا. فتردد الخطاب منهم، والجواب عنه، فقاموا نافرين، فلما كان الغد ظهر الخبر أنهم على عزم حصر دار الخلافة، فانزعج الناس لذلك، وأخفوا أموالهم، وحضر البساسيري دار الخلافة، وتوصل إلى معرفة خبر الوزير، فلم يظهر له على خبر، فطلب من داره ودور من يتهم به، وكبست الدور، فلم يظهروا له على خبر. وركب جماعة من الأتراك إلى دار الروم فنهبوها، وأحرقوا البيع والقلايات، ونهبوا فيها دار أبي الحسن بن عبيد، وزير البساسيري. وقام أهل نهر المعلى، وباب الأزج، وغيرهما من المحال، في منافذ الدروب لمنع الأتراك، وانخرق الأمر، ونهب الأتراك كل من ورد إلى بغداد، فغلت الأسعار، وعدمت الأقوات، وأرسل إليهم الخليفة ينهاهم، فلم ينتهوا، فأظهر أنه يريد الانتقال عن بغداد، فلم يزجروا. هذا جميعه والبساسيري غير راض بفعلهم، وهو مقيم بدار الخليفة. وتردد الأمر إلى أن ظهر الوزير، وقام لهم الباقي من مالهم من ماله، وأثمان دوابه، وغيرها، ولم يزالوا في خبط وعسف، فعاد طمع الأكراد والأعراب أشد منه أولاً، وعاودوا الغارة والنهب والقتل، فخربت البلاد وتفرق أهلها. وانحدر أصحاب قريش بن بدران من الموصل طامعين، فكبسوا حلل كامل ابن محمد بن المسيب، وهي بالبردان، فنهبوها، وبها دواب، وجمال بخاتي للبساسيري، فأخذوا الجميع ووصل الخبر إلى بغداد، فازداد خوف الناس من العامة والأتراك، وعظم انحلال أمر السلطنة بالكلية، وهذا من ضرر الخلاف. .ذكر استيلاء طغرلبك على أذربيجان وغزو الروم: وانقادت العساكر إليه، فأبقى بلادهم عليهم، وأخذ رهائنهم وسار إلى أرمينية، وقصد ملازكرد، وهي للروم، فحصرها وضيق على أهلها، ونهب ما جاورها من البلاد وأخربها، وهي مدينة حصينة، فأرسل إليه نصر الدولة بن مراون، صاحب ديار بكر، الهدايا الكثيرة والعساكر، وقد كان خطب له قبل هذا الوقت وأطاعه، وأثر السلطان طغرلبك، في غزو الروم، آثاراً عظيمة، ونال منهم من النهب والقتل والأسر شيئاً كثيراً. وبلغ في غزوته هذه إلى أرزن الروم، وعاد إلى أذربيجان، لما هجم الشتاء، من غير أن يملك ملازكرد، وأظهر أنه يقيم إلى أن ينقضي الشتاء، ويعود يتم غزاته، ثم توجه إلى الري فأقام بها إلى أن دخلت سنة سبع وأربعين وعاد نحو العراق، على ما نذكره إن شاء الله تعالى. .ذكر محاربة بني خفاجة وهزيمتهم: وهذا القائم قيل إنه كان علماً يهتدي به السفن، لما كان البحر يجيء إلى النجف، ودخل بغداد ومعه خمسة وعشرون رجلاً من خفاجة، عليهم البرانس، وقد شدهم بالحبال إلى الجمال، وقتل منهم جماعة، وصلب جماعة، وتوجه إلى حربى فحصرها، وقرر، وقرر على أهلها تسعة آلاف دينار وأمنهم. .ذكر استيلاء قريش على الأنبار والخطبة لطغرلبك بأعماله: .ذكر وفاة القائد ابن حماد وما كان من أهله بعده: ثم محسناً قتل من عموممته أربعة، فازداد يوسف نفوراً، وكان ابن عمه بلكين بن محمد في بلده أفريون، فكتب إليه محسن يستدعيه، فسار إليه، فلما قرب منه أمر محسن رجالاً من العرب أن يقتلوه، فلما خرجوا قال لهم أميرهم خليفة بن مكن: إن بلكين لم يزل محسناً إلينا، فكيف نقتله؟ فأعلموه ما أمرهم به محسن، فخاف، فقال له خليفة: لا تخف، وإن كنت تريد قتل محسن فأنا أقتله لك. فاستعد بلكين لقتاله، وسار إليه، فلما علم محسن بذلك وكان قد فارق القلعة عاد هارباً إليها، فأدركه بلكين فقتله، وملك القلعة وولي الأمر، وكان ملكه القلعة سنة سبع وأربعين وأربعمائة. .ذكر ابتداء الوحشة بين البساسيري والخليفة: وسبب ذلك ذلك أن أبا الغنائم وأبا سعد ابني المحلبان، صاحبي قريش بن بدران، وصلا إلى بغداد سراً، فامتعض البساسيري من ذلك، وقال: هؤلاء وصاحبهم كبسوا حلل أصحابي، ونهبوا، وفتحوا البثوق، وأسرفوا في إهلاك الناس، وأراد أخذهم فلم يمكن منهم، فمضى إلى حربي، وعاد ولم يقصد دار الخلافة على عادته، فنسب ذلك إلى رئيس الرؤساء. واجتازت به سفينة لبعض أقارب رئيس الرؤساء، فمنعها وطالب بالضريبة التي عليها، وأسقط مشاهرات الخليفة من دار الضرب، كذلك مشاهرات رئيس الرؤساء، وحواشي الدار، وأراد هدم دور بني المحلبان، فمنع منه، فقال: ما أشكو إلا من رئيس الرؤساء الذي قد خرب البلاد وأطمع الغز وكاتبهم. ودام ذلك إلى ذي الحجة، فسار البساسيري إلى الأنبار، وأحرق ناحيتي دما، والفلوجة، وكان أبو الغنائم بن المحلبان بالأنبار قد أتاها من بغداد، وورد نور الدولة دبيس إلى البساسيري، معاوناً له على حصرها، ونصب البساسيري عليها المجانيق، فهدم برجاً، ورماهم بالنفط فأحرق أشياء كان قد أعدها أهل البلد لقتاله، ودخلها قهراً، فأسر مائة نفس من بني خفاجة، وأسر أبا الغنائم بن المحلبان، فأخذ وقد ألقى نفسه في الفرات، ونهب الأنبار وأسر من أهلها خمسمائة رجل، وعاد إلى بغداد وبين يديه أبو الغنائم على جمل، وعليه قميص أحمر، وعلى رأسه برنس، وفي رجليه قيد، وأراد صلبه وصلب من معه من الأسرى، فسأله نور الدولة أن يؤخر ذلك حتى يعود، وأتى البساسيري إلى مقابل التاج، فقبل الأرض، وعاد إلى منزله، وترك أبا الغنائم لم يصلبه، وصلب جماعة من الأسرى، فكان هذا أول الوحشة. .ذكر وصول الغز إلى الدسكرة وغيرها: وكان سعدي قد فارق طاعة السلطان طغرلبك، على ما ذكرناه، فلم يفتحها وأجلى أهل تلك البلاد، وخربت القرى، ونهبت أموال أهلها. وسار طائفة أخرى من الغز إلى نواحي الأهواز وأعمالها، فنهبوها واجتاحوا أهلها، وقوي طمع الغز في البلاد وانخذل الديلم ومن معهم من الأتراك، وضعفت نفوسهم. ثم سير طغرلبك الأمير أبا علي ابن الملك أبي كاليجار، الذي كان صاحب البصرة، في جيش من الغز إلى خوزستان ليملكها، فوصل سابور خواست، وكاتب الديلم الذين بالأهواز يدعوهم إلى طاعته، ويعدهم الإحسان إن أجابوا، والعقوبة إن امتنعوا، فمنهم من أطاع، ومنهم من خالف، فسار إلى الأهواز فملكها واستولى عليها، ولم يعرض لأحد في مال ولا غيره، فلم يوافقه الغز على ذلك، ومدوا أيديهم إلى النهب والغارة والمصادرة، ولقي الناس منهم عنتاً وشدة. .ذكر عدة حوادث: وفيها، في ذي الحجة، توفي أبو حسان المقلد بن بدران أخو قريش ابن بدران، صاحب الموصل. وفيها، في شوال، توفي قسطنطين ملك الروم، زوج تذورة بنت قسطنطين، الموسومة بالملك، وإنما ملك قسطنطين هذا حيث تزوجها. وفيها توفي عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله الأصبهاني، المعروف بابن اللبان، الفقيه الشافعي، وهو من أصحاب أبي حامد الأسفراييني، وروى الحديث عن ابن المقري والمخلص وغيرهما. وتوفي فيها أحمد بن عمر بن روح أبو الحسن النهرواني، وله شعر جيد، فمنه أنه سمع رجلاً يتغنى وهو يقول: فاستوقفه وقال له: أضف إليه: .سنة سبع وأربعين وأربعمائة: .ذكر استيلاء الملك الرحيم على شيراز وقطع خطبة طغرلبك فيها: وقطع فولاذ خطبة السلطان طغرلبك في شيراز، وخطب للملك الرحيم، ولأخيه أبي سعد، وكاتبهما يظهر لهما الطاعة، فعلما أنه يخدعهما بذلك، فسار إليه أبو سعد، وكان بأرجان، ومعه عساكر كثيرة، واجتمع هو وأخوه الأمير أبو منصور على قصد شيراز ومحاصرتها على قاعدة استقرت بينهما في طاعة أخيهما الملك الرحيم، فتوجها نحوها فيمن معهما من العساكر، وحصرا فولاذ فيها. وطال الحصار إلى أن عدم القوت فيها، وبلغ السعر سبعة أرطال حنطة بدينار ومات أهلها جوعاً، وكان من بقي فيها نحو ألف إنسان، وتعذر المقام في البلد على فولاذ، فخرج هارباً مع من في صحبته من الديلم إلى نواحي البيضاء وقلعة إصطخر، ودخل الأمير أبو سعد، والأمير أبو منصور شيراز، وعساكرهما، وملكوها، وأقاموا بها. .ذكر قتل أبي حرب بن مروان صاحب الجزيرة: ثم راسله أبو حرب واستماله، وسعى أن يزوجه ابنه الأمير أبي طاهر البشنوي، صاحب قلعة فنك وغيرها من الحصون، وكان أبو طاهر هذا ابن أخت نصر الدولة بن مروان، فلم يخالف أبو طاهر، صاحب فنك، أبا حرب في الذي أشار به من تزويج الأمير موسك، فزوجه ابنته ونقلها إليه، فاطمأن حينئذ موسك، وسار إلى سليمان، فغدر به، وقبض عليه وحبسه. ووصل السلطان طغرلبك إلى تلك الأعمال لما توجه إلى غزو الروم، على ما ذكرناه فأرسل إلى نصر الدولة يشفع في موسك، فأظهر أنه توفي، فشق ذلك علي حميه أبي طاهر البشنوي، وأرسل إلى نصر الدولة وابنه سليمان فقال لهما: حيث أردتما قتله، فلم جعلتما ابنتي طريقاً إلى ذلك، وقلدتموني العار؟ وتنكر لهما، وخافه أبو حرب، فوضع عليه من سقاه سماً فقتله. وولي بعده ابنه عبيد الله، فأظهر له أبو حرب المودة استصلاحاً له، وتبرؤاً إليه من كل ما قيل عنه، واستقر الأمر بينهما على الاجتماع وتجديد الأيمان، فنزلوا من فنك، وخرج إليهم أبو حرب من الجزيرة في نفر قليل فقتلوه. وعرف والده ذلك، فأقلقه وأزعجه، وأرسل ابنه نصراً إلى الجزيرة ليحفظ تلك النواحي، ويأخذ بثأر أخيه، وسير معه جيشاً كثيفاً. وكان الأمير قريش بن بدران، صاحب الموصل، لما سمع قتل أبي حرب انتهز الفرصة وسار إلى الجزيرة ليملكها، وكاتب البختية والبشنوية، واستمالهم، فنزلوا إليه واجتمعوا معه على قتال نصر بن مروان، فالتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً كثر فيه القتلى، وصبر الفريقان، فكانت الغلبة أخيراً لابن مروان، وجرح قريش جراحة قوية بزوبين رمي به، وعاد عنه، وثبت أمر ابن مروان بالجزيرة، وعاود مراسلة البشنوية والبختية، واستمالهم لعله يجد فيهم طمعاً، فلم يطيعوه. .ذكر وثوب الأتراك ببغداد بأهل البساسيري والقبض عليه ونهب دوره وأملاكه وتأكد الوحشة بينه وبين رئيس الرؤساء: ثم إن أبا سعد النصراني، صاحب البساسيري، حمل في سفينة ستمائة جرة خمراً ليحدرها إلى البساسيري بواسط، في ربيع الآخر، فحضر ابن سكرة الهاشمي وغيره من الأعيان في هذا الباب، وتبعهم خلق كثير، وحاجب باب المراتب من قبل الديوان، وقصدوا السفينة، وكسروا جرار الخمر وأراقوها. وبلغ ذلك البساسيري، فعظم عليه، ونسبه إلى رئيس الرؤساء، وتجددت الوحشة، فكتب فتاوى أخذ فيها خطوط الفقهاء الحنفية بأن الذي فعل من كسر الجرار وإراقة الخمر تعد غير واجب، وهي ملك رجل نصراني، لا يجوز، وتردد القول في هذا المعنى، فتأكدت الوحشة من الجانبين، ووضع رئيس الرؤساء الأتراك البغداديين على ثبل البساسيري والذم له، ونسب كل ما يجري عليهم من نقض إليه، فطمعوا فيه، وسلكوا في هذا المعنى زيادة على ما أراد رئيس الرؤساء، وتمادت الأيام إلى رمضان، فحضروا دار الخليفة، واستأذنوا في قصد دور البساسيري ونهبها، فأذن لهم في ذلك، فقصدوها ونهبوها وأحرقوها، ونكلوا بنسائه وأهله ونوابه، ونهبوا دوابه وجميع ما يملكه ببغداد. وأطلق رئيس الرؤساء لسانه في البساسيري وذمه، ونسبه إلى مكاتبة المستنصر، صاحب مصر، وأفسد الحال مع الخليفة إلى حد لا يرجى صلاحه، وأرسل إلى الملك الرحيم يأمره بإبعاد البساسيري، فأبعده، وكانت هذه الحالة من أعظم الأسباب في ملك السلطان طغرلبك العراق، وقبض الملك الرحيم، وسيرد من ذلك ما تراه إن شاء الله تعالى.
|